Skip to main content

تتعاقب القرون وتمر السنون تاركة لنا آثار من سبقونا لتدلنا عليهم وعلى إنجازاتهم ، ” الحضارات” مفتاح التعرف على إنجازات الماضي وتاريخ من عمر الأرض قبلنا، كالحضارة الإسلامية والفرعونية والصينية والرومانية….إلخ. لكن ياترى كيف بنيت تلك الحضارات ؟ وما هي المعايير التي تقيم الحضارة ؟وما الذي يتخللها ؟!
الحضارة :
الحضارة لغة تعني سكان الحضر. أما في التعريف الاصطلاحي هي الحالة التي ينتهي إليها امتزاج الثقافة بالمدنية بعد أجيال من العيش في ظل ثقافة مشتركة.
نعود إلى ما قبل الحضارة قليلًا لنتعرف على أهم شقين في التعريف السابق وهما الثقافة والمدنية.
الثقافة هي الفطنة والنباهة في اللغة. وفي الاصطلاح هي كل ما يؤمن به الإنسان وكل ما ينتج عنه من قيم وأفكار وتصورات وعادات. أما المدنية فهي كل ما نراه من أشياء مادية، فهي ما يقابل المعاني والمقولات.
أيهما يسبق الأخر الثقافة أم المدنية ؟!
أساس الحضارات (ثقافي) قيمي، والقيم تنتمي إلى مجموعتين متعارضتين: المجموعة الأولى هي مجموعة القيم التي تنتمي لآدم عليه وزوجه في الجنة والفطرة التي فطرهما الله عليها وهذه قيم الخير والفضيلة.
والمجموهة الثانية هي مجموعة القيم التي تخلّق بها إبليس وسوّقها قيمًا بديلة .

حيثما سكن الإنسان في الأرض فهو يسكنها بالقيم، ويمارس حياته مزيجاً من القيم المتبوعة والأشياء التابعة فينشأ (الجانب المدني)، فمدنية الإنسان تعبير عن ذاته. بالتالي نخلص إلى أن المدنية تابعة ومستسلمة للثقافة ومعبرة عنها.
هل المدنية تابعة دوماً للثقافة؟!
القيم التي تنشِئ المدنية لا تستمر في التوهج والحيوية، ولا تستمر المدنية في تحالف مقدس مع القيم حيث ينحاز الإنسان في تحالف شهواني مع المدنية في مواجهة القيم الثقافية الصحيحة فيخضع مع الوقت العقل والفكر للمدنية وشهوات الجسد. وبذلك تكون المدنية التي خرجت من رحم الثقافة أشبه بالابن العاق .
بين المدنية والقيم:
المدنية طابعها شهواني، والقيم طابعها أخلاقي، والتدافع بينهما في التحكم بسلوك الإنسان لا يتوقف لكن يمكن للأنظمة والتشريعات أن تخفف الاحتقان من خلال منظومة قوانين حارسة للأخلاق.
هل تستمر المدنية بعد التغلب على القيم ؟!
يبدأ مسلسل الانهيار المدني بسبب انهيار منظومة القيم المؤسسة للمدنية والحضارة، ومن هنا يتضح لب الصراع بين المنغمسين في المدنية وبين الذين يؤمنون بضرورة تفوق القيم، ولذلك فإن حكمة الخالق في هلاك الأمم الظالمة تتمثل في أنها أصبحت عديمة الفائدة مضرة للحياة وبالتالي جرت السنة الإلهية بالانتقام منهم.
القيم من جنس التكاليف:
تعد القيم من التكاليف في العبادات التي جاءت الأوامر الإلهية بفعلها، والحث عليها، والوعد بالثواب والعقاب لفاعلها وتاركها، على عكس مخرجات المدنية فهي من فصيلة الشهوات.

من الثقافة والمدنية إلى الحضارة:
وبناء على كل ما سبق نستنبط أن قاعدتي البناء الحضاري هما الثقافة والمدنية، وهما ركيزتا بناء أي حضارة والتي تأتي بعد فترة طويلة من الإنجاز الثقافي والمدني.
تأتي الحضارة بعدما بتنا أمام إنجازات متراكمة لمنظومة ثقافية وتعاليم دينية وعادات ونتاج فكري متنوع وشخصيات إصلاحية وفكرية، كما أننا أمام منجزات مدنية تجسدت في حواضر وعواصم وتنوع عمراني وزراعي وصناعي.
هذا الإنجاز تتشارك في صناعته أجيال متعاقبة. فهو نتاج عمل الكثير من أبناء الأمة الواحدة يدفعهم هدف واحد ” تقدم الأمة “.

 

رامي الصالح

اترك تعليقاً